بيان ورشة العمل المشتركة للأكاديمية البابوية للعلوم والأكاديمية البابوية للعلوم الإنسانية، حول الإنسانية المستدامة والطبيعة المستدامة: مسؤوليتنا
Photo: Gabriella C. Marino
تحقيق استقرار المناخ وتوفير الطاقة للجميع باقتصاد شا
مل لقد دخلت الإنسانية في عصر جديد. وقد قادت القدرات والبراعة التكنولوجية الإنسانية إلى مفترق طرق. نحن ورثة قرنين من الموجات الكبرى المتتالية من التغيرات التكنولوجية: من قوة البخار إلى السكك الحديدية والتلغراف والكهرباء والنقل السريع بالسيارات والطيران والصناعات الكيميائية والطب الحديث والمعلوماتية، والآن الثورة الرقمية والتكنولوجيات البيولوجية وتكنولوجيا النانو. وقد أدت هذه التطورات إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي لتجعله أكثر فأكثر اقتصادا حضريا ومرتبطا عالميا، ولكنها أكسبته أيضا انعداما في المساواة وجعلته أقل إنصافا، بصورة تتفاقم يوما بعد يوم.
وكيفما كان، تماما كما واجهت الإنسانية "التغيير الثوري" [1](Rerum Novarum) إبان عصر التصنيع في القرن التاسع عشر، اليوم تسببنا في تغيير بيئتنا الطبيعية إلى مدى جعل العلماء يعرفون الفترة الراهنة بالعصر الأنثروبوسيني، أي أنه عصر يؤثر فيه عمل الإنسان، من خلال استخدام الوقود الأحفوري، بشكل حاسم على الكوكب. وإذا استمرت الميول والاتجاهات الحالية سيشهد هذا القرن تغيرات مناخية غير مسبوقة تؤدي إلى دمار منظومة البيئة الذي من شأنه التأثير بشدة علينا جميعا.
وهكذا يرتد السلوك والعمل الإنساني غير المحترم للبيئة فيضرب البشر وينشر انعدام المساواة بينهم ويبسط ما وصفه البابا فرنسيس بتعريف "عولمة اللامبالاة" و"اقتصاد الاستبعاد" [2](Evangelii Gaudium)، ما يشكل خطرا كبيرا على التضامن مع الجيل الحالي والأجيال القادمة.
والتقدم في وسائل الإنتاج في كافة القطاعات – الزراعة والصناعة والخدمات – يتيح لنا تصور نهاية الفقر وتقاسم الرخاء وتحقيق مد إضافي للأعمار.
بيد أن الهياكل الاجتماعية الجائرة (Evangelii Gaudium) قد غدت عقبات تعترض تحقيق تنظيم لائق ومستدام للإنتاج وتوزيع عادل لثماره، وكلاهما ضروري لبلوغ هذه الأهداف. وعلاقة الإنسانية مع الطبيعة محفوفة بعواقب مجهولة للأعمال التي يقوم بها كل منا، سواء للجيل الحاضر أو للأجيال القادمة. والعمليات الاجتماعية البيئية ليست ذاتية التصحيح. وقوى السوق وحدها، وهي المجردة من الأخلاق والعمل الجماعي، غير قادرة على حل الأزمات المتشابكة للفقر والإقصاء والبيئة. وقد رافق إخفاق السوق إخفاق المؤسسات، التي لم تهدف دائما إلى تحقيق الصالح العام.
تحقيق استقرار المناخ وتوفير الطاقة للجميع باقتصاد شا
مل لقد دخلت الإنسانية في عصر جديد. وقد قادت القدرات والبراعة التكنولوجية الإنسانية إلى مفترق طرق. نحن ورثة قرنين من الموجات الكبرى المتتالية من التغيرات التكنولوجية: من قوة البخار إلى السكك الحديدية والتلغراف والكهرباء والنقل السريع بالسيارات والطيران والصناعات الكيميائية والطب الحديث والمعلوماتية، والآن الثورة الرقمية والتكنولوجيات البيولوجية وتكنولوجيا النانو. وقد أدت هذه التطورات إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي لتجعله أكثر فأكثر اقتصادا حضريا ومرتبطا عالميا، ولكنها أكسبته أيضا انعداما في المساواة وجعلته أقل إنصافا، بصورة تتفاقم يوما بعد يوم.
وكيفما كان، تماما كما واجهت الإنسانية "التغيير الثوري" [1](Rerum Novarum) إبان عصر التصنيع في القرن التاسع عشر، اليوم تسببنا في تغيير بيئتنا الطبيعية إلى مدى جعل العلماء يعرفون الفترة الراهنة بالعصر الأنثروبوسيني، أي أنه عصر يؤثر فيه عمل الإنسان، من خلال استخدام الوقود الأحفوري، بشكل حاسم على الكوكب. وإذا استمرت الميول والاتجاهات الحالية سيشهد هذا القرن تغيرات مناخية غير مسبوقة تؤدي إلى دمار منظومة البيئة الذي من شأنه التأثير بشدة علينا جميعا.
وهكذا يرتد السلوك والعمل الإنساني غير المحترم للبيئة فيضرب البشر وينشر انعدام المساواة بينهم ويبسط ما وصفه البابا فرنسيس بتعريف "عولمة اللامبالاة" و"اقتصاد الاستبعاد" [2](Evangelii Gaudium)، ما يشكل خطرا كبيرا على التضامن مع الجيل الحالي والأجيال القادمة.
والتقدم في وسائل الإنتاج في كافة القطاعات – الزراعة والصناعة والخدمات – يتيح لنا تصور نهاية الفقر وتقاسم الرخاء وتحقيق مد إضافي للأعمار.
بيد أن الهياكل الاجتماعية الجائرة (Evangelii Gaudium) قد غدت عقبات تعترض تحقيق تنظيم لائق ومستدام للإنتاج وتوزيع عادل لثماره، وكلاهما ضروري لبلوغ هذه الأهداف. وعلاقة الإنسانية مع الطبيعة محفوفة بعواقب مجهولة للأعمال التي يقوم بها كل منا، سواء للجيل الحاضر أو للأجيال القادمة. والعمليات الاجتماعية البيئية ليست ذاتية التصحيح. وقوى السوق وحدها، وهي المجردة من الأخلاق والعمل الجماعي، غير قادرة على حل الأزمات المتشابكة للفقر والإقصاء والبيئة. وقد رافق إخفاق السوق إخفاق المؤسسات، التي لم تهدف دائما إلى تحقيق الصالح العام.
وقد تفاقمت المشاكل لأن الاقتصاد حالياً يُقاس فقط بمعيار الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي لا يسجل تدهور حالة الأرض الذي يلازمه أو التفاوت البائس والفظيع بين البلدان بعضها البعض وداخل كل بلد. وقد رافق نمو الناتج المحلي الإجمالي تفاوت وفجوات غير مقبولة بين الأغنياء والفقراء، الذين ما فتئوا محرومين من التقدم المحرز في عصرنا هذا. على سبيل المثال، نحو خمسين بالمئة من الطاقة المنتجة تُستهلك من قبل ما لا يزيد عن مليار شخص، ومع ذلك يُفرَض تحمل وقع هذا الاستهلاك السلبي على البيئة على ثلاثة مليارات من البشر المحرومين من استخدام هذه الطاقة. ثلاثة مليارات من البشر لا يتمتعون إلا بقدر ضئيل من الطاقة الحديثة، لدرجة تضطرهم إلى طهي الطعام والتدفئة وإنارة مساكنهم بأساليب تشكل خطرا على الصخة.
إن الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري في المنظومة العالمية للطاقة يحدث خللا عميقا في مناخ الأرض ويُحَمِض محيطات العالم. وارتفاع درجات الحرارة وما يرتبط به من طقس متطرف سيبلغ مستويات غير مسبوقة في حياة أبنائنا و40% من فقراء العالم، الذين لا يولدون إلا نسبة ضئيلة من التلوث العالمي، سيتحملون على الأرجح الجزء الأكبر من المعاناة والضرر الناشئَين عن هذا. كذلك فإن وسائل الإنتاج الصناعية المطبقة في الزراعة تُحدِث تغيرات عميقة في الطبيعة، مع إحداث خلل في النظام الإيكولوجي، أو البيئي الطبيعي، كما تهدد بقاء العديد من أنواع الكائنات الحية على مستوى العالم. ورغم الكثافة غير المسبوقة في استخدام الأرض وزيادة إنتاجيتها، فإن انعدام الأمن الغذائي ما فتئ يهدد العالم، الذي يعاني فيه حتى الآن أكثر من مليار إنسان من الجوع المزمن في حين يعاني نحو مليار آخر منهم من جوع مقنع يتمثل في النقص الحاد في العناصر الدقيقة المغذية في طعامهم. ومن المأساوي أن ثلث الغذاء المنتج في العالم يُهدر ويضيع، وهو ما وصفه البابا فرنسيس بقوله أن هذا "مثل السرقة من مائدة الفقير والجائع".
ونظرا لاستمرار الفقر والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد اتساعا والتدمير المتواصل للبيئية، دعت حكومات العالم إلى تبني أهداف عالمية جديدة ينبغي بلوغها بحلول العام 2015، تحت مسمى "أهداف التنمية المستدامة" Sustainable Development Goals (SDGs)، كي توجه هذه العمل في هذا المجال على مستوى العالم بعد العام 2015. وتحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاونا دوليا وابتكارات تكنولوجية ممكنة التحقق وسياسات داعمة على المستويين الوطني والإقليمي، مثل فرض الضرائب ووضع إطار تنظيمي للتجاوزات البيئية، ووضع حدود للقوة الهائلة التي تتمتع بها الشركات متعددة الجنسيات، أو عبر الوطنية، وإعادة توزيع عادل للثروة. وقد غدا من الواضح بمكان أن علاقة الإنسانية بالطبيعة تحتاج إلى معالجة بعمل تعاوني وجماعي على كافة المستويات – المحلي والإقليمي والعالمي.
إن القواعد التكنولوجية والتشغيلية اللازمة لتحقيق تنمية مستدامة حقيقية متوفرة بالفعل أو وشيكة البلوغ. ومن الممكن القضاء على الفقر المدقع عبر استثمارات مختارة بدقة في مجال توفير الطاقة المستدامة والتربية والصحة والإسكان والبنى التحتية الاجتماعية وسبل العيش للفقراء. ويمكن خفض التفاوتات الاجتماعية عبر حماية حقوق الإنسان وحكم القانون والديمقراطية التشاركية وتعميم الوصول إلى الخدمات العامة وتوفيرها للجميع والاعتراف بالكرامة الإنسانية وتحقيق تحسين كبير في فاعلية السياسات الضريبية والاجتماعية وإصلاح أخلاقي للمالية وسياسات لتوفير فرص عمل لائقة على نطاق واسع وتحقيق التكامل بين القطاعات الاقتصادية غير الرسمية والشعبية والتعاون الوطني والدولي للقضاء على الأشكال الجديدة من العبودية مثل العمل القسري والاستغلال الجنسي. ومن الممكن أن تُصنَع منظومات الطاقة بشكل يجعلها أقل اعتمادا على الفحم والبترول والغاز الطبيعي لتجنب تغيرات المناخ وحماية المحيطات وتنظيف الهواء من الملوثات الناشئة عن استخدام الفحم. وإنتاج الغذاء يمكن أن تصبح أكثر إثمارا وفائدة وأقل إهدارا للأرض والمياه وأكثر احتراما للفلاحين والسكان الأصليين وأقل تلويثا للبيئة. ومن الممكن أيضا وضع حد للهدر الغذائي، فتتحقق بهذا فوائد اجتماعية وإيكولوجية.
ولعل التحدي الأكبر يكمن في مجال القيم الإنسانية. والعقبات الأساسية المانعة لتحقيق الاستدامة والمشاركة الإنسانية تتمثل في انعدام المساواة والظلم والفساد والاتجار بالبشر. واقتصاداتنا وديموقراطياتنا ومجتمعاتنا وثقافاتنا تدفع ثمنا باهظا للفجوة متزايدة الاتساع بين الأغنياء والفقراء داخل المجتمع الواحد وبين الدول الغنية والدول الفقيرة. وقد يكون الجانب الأعظم ضررا في الفجوة المتزايدة في الدخل والثروة في العديد من البلدان هو أنها تُعَمِق انعدام المساواة في الفرص المتاحة. والأهم منذ ذلك إن انعدام المساواة والظلم على مستوى العالم والفساد يقوضون قيمنا الأخلاقية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان.
نحن نحتاج في المقام الأول إلى تغيير قناعاتنا ومواقفنا ومكافحة عولمة اللامبالاة بثقافتها القائمة على تبذير المال وتقديسه. ويجب أن نلح بإصرار على خيار تفضيل الفقراء؛ وتعزيز الأسر والمجتمعات؛ وتكريم الخليقة وحمايتها كمسؤولية حتمية للإنسانية تجاه الأجيال القادمة. ونحن نملك القدرات الابتكارية والتكنولوجية لنكون خادما صالحا للخليقة. إن الإنسانية في حاجة ماسة إلى إعادة توجيه علاقتنا بالطبيعة عبر تبني "أهداف التنمية المستدامة" وذلك لترويج وتشجيع نمط مستدام للتنمية الاقتصادية والمشاركة الاجتماعية. والإيكولوجية الإنسانية الصحية بمعيار الفضائل الأخلاقية تساهم في بلوغ الطبيعة المستدامة والبيئة المتوازنة. نحن اليوم في حاجة إلى علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة: يتعين على القيم الحقيقية فيه أن تغمر الاقتصاد واحترام الخليقة يجب أن يروج معاني الكرامة الإنسانية والرفاه.
تلك هي القضايا التي يمكن أن يتفق عليها كل أتباع الديانات والأفراد ذوي النوايا الحسنة. إنها قضايا سيلتف حولها ويتبناها الشباب في كل أنحاء العالم، كوسيلة لتحقيق عالم أفضل. ورسالتنا هذه تحذير عاجل، لأن مخاطر العصر الأنثروسيني حقيقية و ظلم عولمة اللامبالاة قائم. ومع ذلك فإن رسالتنا رسالة أمل وفرح. فعالم أكثر صحة وأمنا وأكثر عدلا وازدهارا واستدامة في متناولنا. والمؤمنون بيننا يسألون الله أن يعطينا خبزنا كفاف يومنا، وهو غذاء الجسد والروح.
[1] رسالة بابوية للبابا لاون الثالث عشر، صدرت في 15 مايو 1891، تحت عنوان "ريروم نوفاروم" أو "مستجدات" ما فتئت بين أسس العقيدة الاجتماعية الكاثوليكية، خاصة في ما يعني العلاقة بين العمال وأرباب الأعمال.
Are Humanity's dealings with Nature sustainable? What is the status of the Human Person in a world where science predominates? How should we perceive Nature and what is a good ...
COOKIE POLICY
The web site www.pas.va uses technical or similar cookies to make navigation easier and guarantee the use of the services. Furthermore, technical and analysis cookies from third parties may be used. If you want to know more click here. By closing this banner you consent to the use of cookies.